في العادة لست متابعاً نهماً للبرامج
"الغنائية" أو برامج "المواهب" العربية وغيرها، فأكثر وقتي
أشغله بمشاهدة مباراة أو التعليق عليها أو كتابة خبر عنها !.
لكن اليوم مررت على التلفاز صدفةً أقلّب القنوات.
لحظات واستوقفتني صورة "طفلة". أقول في بالي : "هذه! أعرفها ...
". رُحت أربط في مخيلتي صوراً كثيرة، أحاول أن أجمعها على طريقة تركيب الصور
المفكّكة.
بعد لحظات عرفتها: فاطمة! مَن هي فاطمة ؟
قبل سنة من الآن قابلت فاطمة عندما كانت عضواً في
الملتقى الثقافي الخامس الذي زار فلسطين. كانت في الخامسة عشرة من عمرها ! وحينها كتبت
شيئاً عنها لم أنشره.
"أشخاص يدخلونها بتصاريح وأشخاص فوق الأسلاك الشائكة...
شعور البطل لا يتغير ... شعور الفرح والحزن ... الشوق واللقاء .. ثمرة .. تراب ..
رمل .. شوق وبكاء .. صور".
الطفلة فاطمة وليد العيسى (
15 عاماً) لاجئة فلسطينية في مخيم عين الحلوة - لبنان ، إحدى أشبال فرقة الكوفية
الفلسطينية للدبكة الشعبية (دخلتها منذ كانت بعمر 5 سنوات)، جعلت من زيارتها
لفلسطين منبتاً جديداً لحكايات تربطها بفلسطين. فاطمة التي لم تعرف فلسطين إلا من
خلال حكايات "الكبار" زارت فلسطين للمرة الثالثة في ملتقى فلسطين
الثقافي الخامس 2012 م ضمن فرقة الكوفية، وفي كل مرة ترسم فاطمة معنى جديداً
لفلسطينيتها .
"للمرة الأولى أسافر
من لبنان، وحظّي الرائع جعل الوجهة إلى فلسطين" ! هكذا بدأت بالحديث،
واسترجعت ذكرى زيارتها الأولى لفلسطين في عام 2010 حينما شاهدت للمرة الأولى مدن
فلسطينية بسكان فلسطينيين.
المشهد الذي لا زال عالقاً
في ذهن فاطمة هو زيارتها الأولى لمدينة القدس، وحينها وقفت لساعات تتمعن سحر
المدينة المقدّسة، وعادت إلى أهلها تصف مدينة القدس وفلسطين " كلها" ،
وتشير إلى ذلك بأن الزيارة أتت كجزء من الحلم الأكبر الذي بحثت عنه طويلاً، وبجملة احتفظت بها واسترسلت تلفظها بلباقة:
" كانت هذه اللحظة ، أول حلم يتحقق على ارض فلسطين ".
تحتار عندما تجلس إلى جوار
فاطمة؛ ليس في تحديد هويّتها. وإنما في إحصاء عدد الرموز التي
تكتسيها وتشير من خلالها إلى فلسطين. فالكوفية لا تفارق جسدها الصغير معتلية
كتفيها. وباتساع عيناها السوداوان وشعرها الأسود المجعّد وقبضتيها التي تتزين كل
واحدة منهما بإسوارة للعلم الفلسطيني. تشعر أنها "معرضٌ" فلسطيني
متنقّل.
لكن ما يبدو غريبا للوهلة
الأولى حزم من الأكياس تحملها فاطمة في كل زيارة لها لفلسطين، وفي كل كيس حكاية
تصفها الطفلة: "هذا الكيس فيه تراب مدينة نابلس ، وذاك الكيس فيه تراب مدينة
الخليل وذاك من رمل مدينة حيفا أخذته في زيارتي الأولى واحتفظ فيه بمنزلنا في مخيم
عين الحلوة ...".
فاطمة تحمل
"الرمل" في أكياسها الصغيرة. تغلق عليها المنفذ وتكتب فوق الكيس
"مدينة ..." وتحمله معها بعدها إلى لبنان و تصف ذلك : " عندما أصل
عين الحلوة أمرر الكيس على الأهل والأقارب، يشتمّون رائحة فلسطين من خلالها".
بقية الحكاية ...